سبل مواجهة النظام الإيراني الذي يعتاش على إشعال الحروب في المنطقة
بقلم: مؤيد النجار/ كاتب وباحث متخصص في الشأن الإيراني
منذ استيلاء خميني وفريق المعممين على السلطة في إيران قبل 44 عاماً وإعلان جمهورية إسلامية ذات طبيعة معقدة ترفض تقبُّل الآخر على الصعيد الدولي وتقمع الحريات العامة على الصعيد الداخلي، عبّرَ الشعب الإيراني عن رفضه لهذا النظام الشمولي الذي لا يقل سوءً عن نظام الشاه، وتواصلت المظاهرات والانتفاضات والاعتصامات التي قام النظام بقمعها واعتقال المشاركين فيها ومحاكمتهم محاكمات صورية ثم تعليقهم على المشانق رجالاً ونساءً.
وبمرور السنين، اكتشف الملالي أن الإعدامات وحدها ليست كافية لإطالة عُمر نظام الولي الفقيه، فالفساد مستمر في كافة مفاصل الدولة، وحرس النظام أصبح يسيطر على العديد من الشركات والمؤسسات الحكومية ويبتلع مواردها، والفقر ينتشر في المجتمع، وعندما يجد الإنسان نفسه فقيراً جائعاً محروماً من أبسط حقوقه لا يجد ما يخسره ولا تخيفه المشنقة ولا رصاص القوات الأمنية، على سبيل المثال، في العام الماضي، هزت انتفاضة وطنية نظام الملالي بأكمله وكانت على وشك الإطاحة به، وقال الخبراء والمسؤولون الأمنيون في النظام في تلخيصهم للانتفاضة إن هذه الانتفاضة لو اتسعت لأدت إلى إسقاط النظام برمته،
بعد هذه الانتفاضة، سيطر الخوف على النظام بأكمله من احتمالات تكرارها.
واعترف خبراء النظام بأن هناك انتفاضات أكبر في الطريق، قال الدكتور محسن ريناني، الأستاذ الجامعي وأحد محللي النظام المشهورين :” لم يعد هناك أمل تقريباً في الحكومة! النظام محاط للغاية بالباحثين عن الريع لدرجة أنه لم يعد قادرًا على إحداث التغيير، لقد تم استنفاذ رأس المال الاجتماعي للحكومة “. ( المصدر: حساب “تحليل التايمز” على منصة التلغرام، 28 تشرين الثاني/ نوفمبر 2023. وقال الملا محمد تقي أكبر نجاد مدير معهد الفقه والحضارة الإسلامية :” بهذا الأمر سيكون سقوط النظام حتميا…”. (المصدر: موقع ديدار الإخباري، 29 كانون الأول/ ديسمبر 2023).
واقترح خبراء داخل النظام على المرشد الأعلى علي خامنئي الاعتراف ببعض الحريات ومحاولة تحسين الوضع الاقتصادي للشعب، ووفقا لسلطات النظام، فإن أكثر من 80% من الشعب الإيراني تحت خط الفقر وأكثر من 40% تحت خط الفقر المطلق، ورواتب العمال والمدرسين وغيرهم لا توفر سوى ما يكفي لمدة 10-15 يوما من الطعام.
بناءً على ذلك، بات من الضروري للنظام الحاكم أن يجد وسيلة اخرى – إلى جانب الإعدامات – تساعده على إبعاد الانظار عن أزماته الداخلية وتوجيهها إلى أزمات وحروب في المنطقة، تماماً كما فعل عندما دخل في حرب الثماني سنوات مع العراق واستفاد من دورها في تهدئة الغليان الشعبي في الداخل وتوجيه الأنظار نحو ساحات القتال، فاشتعلت الحرب التي خطط لها النظام في غزة بهجوم نوعي منسق ومُفاجئ شنته حركة حماس على إسرائيل، والذي بدأ في صباح يوم السبت 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023 ، وباشرت إسرائيل بقصف غزة بشكل مكثف، هذه الحرب التي راح ضحيتها الآلاف من المدنيين حققت للنظام الإيراني هدفه في إطالة عمره وتأجيل الإطاحة به من قبل الشعب من خلال انتفاضة جديدة، قال أحمد قادري إبيانه، الخبير السياسي والأمني للنظام، عبر تلفزيون آفاق الرسمي في 13 تشرين الثاني/ نوفمبر 2023 :” إن طوفان الأقصى كان عوناً غير مرئي لأنه أوقف تكرار انتفاضة 2022-2023 وكان هذا العون غير المرئي في صالح إيران تماماً “. وقال وزير إعلام النظام الملا إسماعيل الخطيب، إن :” هدف النظام من شن الحرب في المنطقة هو عرقلة انتفاضة الشعب الإيراني وقمع الاحتجاجات وفرض هيمنة النظام على دول المنطقة. (المصدر: وكالة ميزان للأنباء: 11 كانون الأول/ دیسمبر 2023).
ولم يكتفِ نظام الولي الفقيه بإشعال الحرب واستخدام أذرعه وميليشياته في فلسطين ولبنان وسوريا والعراق واليمن لتوسيع نطاقها، بل صار يتباهى ويفتخر بأنه هو الذي أشعلها، تحت ذريعة الانتقام لقائد الحرس قاسم سليماني الذي قُتل في غارة أمريكية بالعراق، واعتبر المتحدث باسم الحرس، رمضان شريف، عملية اقتحام الأقصى بأنها انتقام لسليماني، وشدد خامنئي شخصياً، الأحد 31 كانون الأول/ ديسمبر 2023، في لقاء مع عائلة قاسم سليماني، على استمرار التحريض على الحرب في المنطقة تحت عنوان تعزيز جبهة المقاومة، وقال: إن أهم دور وخدمة لسليماني كان إعادة إحياء جبهة المقاومة في المنطقة. وأشاد وثمن جهود قاآني القائد الحالي لفيلق القدس التابع لحرس النظام الإيراني، وقال: يجب أن يستمر خط تعزيز جبهة المقاومة.
واليوم، ما هو الحل الناجع والإجراءات المطلوبة لإنهاء معاناة الشعب الإيراني وشعوب المنطقة؟! يرى قائد المقاومة الإيرانية مسعود رجوي ان النظام الإيراني يقف وراء هذا الترويج للحرب، ويؤكد :” لقد قلنا مرارً وتكراراً إن من يريد السلام في الشرق الأوسط فعليه أن يستهدف رأس الأفعى وهي الفاشية الدينية الحاكمة في طهران، إن خامنئي قال بوضوح مرات عديدة إنه إذا أوقف الحرب خارج حدود إيران، فعليه أن يخوض حرباً ضد الشعب المنتفض والشباب الثائر في كرمانشاه وهمدان وأصفهان وطهران وخراسان، لكن النظام الرجعي يسرح ويمرح الآن في المنطقة وهو على يقين من تقاعس أوروبا وأمريكا، وأنه لن يدفع ثمنا كبيراً لتجنب انتفاضة الشعب الإيراني، لكن نار الانتفاضة ستشتعل مع جيش الجياع “.
ونفهم من فحوى كلام السيد رجوي، إن سياسة الاسترضاء التي تنتهجها الدول الغربية والعربية مع النظام شجعت هذا النظام على القمع الدموي للشعب الإيراني في الداخل وترويج الحرب وتصدير الإرهاب في المنطقة، ومع الكشف عن “رأس الأفعى” الداعي للحرب في بيت ولاية الفقيه، تتجلى كل يوم أبعاد جديدة لخنجر خامنئي وخيانة القضية الفلسطينية في دول المنطقة والعالم العربي، خلال هذه الفترة، قامت العديد من وسائل الإعلام والشخصيات العربية بتحليل أخطبوط نشر الحروب وغرز مخالبه في المنطقة، مستشهدة بأمثلة واضحة على دور خامنئي التدميري في المنطقة، وطالما أن نظام الملالي موجود في السلطة فلن يتوقف عن شن الحرب والتدخل في المنطقة ولن يسمح بحل القضية الفلسطينية، وقال وزير خارجية خامنئي حسين أمير عبد اللهيان (إن القضية الوحيدة المشتركة بيننا وبين إسرائيل هي معارضة حل الدولتين).
ورغم أن النظام الحاكم في إيران يحاول استغلال الحرب في غزة لشراء الوقت لنفسه وتأجيل الانتفاضة، إلا أن المقاومة الإيرانية أكدت منذ اليوم الأول أن الخاسر الاستراتيجي في هذه الحرب هو نظام الملالي، وإن دخان الحرب التي أشعلها سيعمي عيونه لأنه سعى إلى لُقمة أکبر من فمه، وخلافا لشعاراته ودعواته للحرب، فإن نظام الملالي ضعيف للغاية ومعرض للخطر داخل إيران، وتستمر أنشطة المجموعات المعارضة الموالية لمجاهدي خلق، والتي لعبت دورا قياديا في الانتفاضة الوطنية، رغم اعتقال واختفاء 3600 منهم، وقد وسعت نشاطاتها لكسر الأجواء الخانقة وإشعال انتفاضة جديدة، والآن هو الوقت المناسب للوقوف بحزم أمامه بالسياسة الصحيحة وسحب مكاسب النظام من سفك الدماء من حلقه.
وفي رسالتها الأخيرة إلى مؤتمر في برلين، وجهت السيدة مريم رجوي رسالتين محددتين إلى حكومات الغرب وخاصة الاتحاد الأوروبي :” بدايةً، لا حل للأزمة والحرب الكارثية في الشرق الأوسط بتجاهل أصل هذه الحرب وأصلها، أي الاستبداد الديني الحاكم في إيران، ثانياً، إن أربعين عاماً من إسترضاء هذا النظام هو سبب مهم للحرب وعدم الاستقرار في المنطقة، ومن أجل تجنب تكرار أخطاء الماضي، لا بد من اعتماد سياسة حاسمة ضد النظام ودعم نضال الشعب والمقاومة الإيرانية لإنهاء هذا النظام ” ، وقالت السيدة رجوي: نقترح حلاً يتضمن هذه الإجراءات الأربعة:
1ـ إدراج الحرس ضمن قائمة الارهاب.
2 ـ تفعيل آلية الزناد في قرار مجلس الأمن 2231 وضمان التنفيذ الكامل لقرارات المجلس المتعلقة بالمشاريع النووية للنظام والعقوبات الشاملة.
3 ـ إعتبار النظام تهديداً عاجلاً للسلم والأمن العالميين وإدراجه تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة.
4 ـ الاعتراف بنضال الشعب الإيراني من أجل إسقاط النظام والكفاح الشجاع للشباب الثائر ضد حرس النظام.
سيدفع الشعب الإيراني ثمن هذا الحل، لكن الإطاحة بهذا النظام ستجلب السلام والأمن للعالم أجمع “.